ذكر
القرآن الكريم الغرائز والطبائع والميول عند الإنسان فأحياناً يشير إليها
صراحة , وأحياناً بإشارة , وهذه هي بعض الأمثلة من كتاب الله تعالى الذي
تحدى الدنيا بعطائه ومعجزاته :
( 1 ) غريزة الشهوات :يقول عزوجل
[زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ
مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ
مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآَبِ] {آل عمران:14}
[إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ] {يوسف:53} فالنفس تأمر بالقبائح والمعاصي لأنها اشد استلذاذا بالباطل والشهوات والميل إلى أنواع المنكرات
( 2 )غريزة حب الظهور والاستعلاء :يقول عزوجل
[إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ] {لقمان:18} , وقال تعالى :
[كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى] {العلق:6} وقال تعالى :
[وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا] {لقمان:18}
( 3 ) غريزة الادخار والاقتناء : يقول عزوجل
]وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا] {الإسراء:100} والمعنى : كان الإنسان ضيقاً مبالغاً في البخل وقال تعالى :
]وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ] {العاديات:8} شديد الحرص على المال وقال تعالى :
[وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا] {الفجر:20} وتحرصون على المال حرصاً كثيراً , و وقال تعالى :
[وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ] {النساء:128} البخل مع الحرص
( 4 ) حب التنافس والتفاخر : [لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا
أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا
تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {آل
عمران:188} أخي المؤمن : الناس يمدحونك لما يظنون فيك من الخير والصلاح
اعتباراً بما يظهر من ستر الله عليك فكن أنت ذاماً لنفسك .
( 5 ) غريزة الضعف البشرى :قال تعالى
[وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا]
{النساء:28} عاجزا عن مخالفة هواه , حيث لا يصبر عن إتباع الشهوات .قال
سعيد بن المسيب : ما أيس الشيطان من ابن آدم إلا أتاه من قبل النساء , وقد
أتى علىّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عينىّ وأنا أعشو الأخرى , وإن أخوف ما
أخاف على نفسي فتنة النساء .
وفى الحديث الشريف : " شر ما أعطى ابن آدم شح هالع وجبن خالع " رواه البخاري
فالهلع المحزن والخالع الذي يخلع قلبه .
( 6 )
غريزة استعجال الخير والملذات :قال تعالى
]وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا] {الإسراء:11} يسارع إلى طلب ما يخطر بباله ولا ينظر إلى عاقبته .وقال تعالى :
]خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ] {الأنبياء:37} العجلة طلب الشيء قبل أوانه .فجعل الله الإنسان لفرط استعجاله وقلة صبره كأنه مخلوق منه .وقال تعالى "
]كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ] {القيامة:20} العاجلة اى الدنيا .
( 7 ) غريزة الجدل والانسياق مع الهوى :قال تعالى :
]وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا] {الكهف:54} أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل .اى جدله أكثر من جدل
كل مجادل , وهو هاهنا شدة الخصومة بالباطل لاقتضاء خصوصية المقام وفى
الحديث : " ما ظل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل " رواه الترمذي
وأحمد
( 8 ) غريزة الخوف والغفلة : قال تعالى "
[إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ] {إبراهيم:34} شديد الكفران للنعمة أو ظلوم في الشدة يشكو ويجزع . وقال تعالى :
[لَا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ] {فصِّلت:49} , القنوط : عبارة عن يأس مفرط يظهر أثره في الشخص فيتضاءل وينكسر . قال تعالى
]وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ] {هود:9} شديد اليأس لقلة صبره وتسليمه لقضائه , ومعنى الكفران إنكار
النعمة , وفيه إشارة إلى إن النزع إنما كان بسبب كفرانهم قال تعالى :
]وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ
اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ
خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ] {الحج:11}
( 9 ) غريزة الإيمان بالله وإظهارها عند الشدائد :قال تعالى
[وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا
رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ
مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ للهِ أَنْدَادًا
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ] {الزُّمر:8} فمن طبيعة الإنسان انه إذا مسه الضر خشع وخضع والى ربه فزع وتملق بين يديه وتضرع . قال تعالى
[وَإِذَا
مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا
أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ
يُشْرِكُونَ] {الرُّوم:33} إذا أصابهم الجوع والقحط واحتباس المطر , وغير ذلك من أنواع البلاء .
وقال تعالى :
[وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ
كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ
إِلَى البَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا
كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ] {لقمان:32}
هذه هي الغرائز التي اكتشفها علماء النفس
في القرن العشرين , وقد ذكرها القرآن الكريم في القرن السابع الميلادي ,
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة القرآن , وانه كلام رب العالمين .